الإصحاح الأول [ 1 – 9 ]
المحاكمة العظمى
يفتتح هذا السفر بإعلان الله عن محاكمة شعبه ، فيها يقف الله مدعيا وقاضيا . لا يريد أن يحكم عليهم دون إعطائهم فرصة للدفاع عن أنفسهم .
يستدعى الطبيعة الجامدة والأحداث الجارية حتى القضاة الظالمين شهودا ضد شعبه .
يعلن الإتهام وفى نفس الوقت يقدم فرصة للحوار ويفتح باب العفو إن رجعوا إليه بالتوبة ، يقف قاضيا وديانا وفى نفس الوقت طبيبا ومخلصا . يفتح ذراعيه للنفوس الساقطة .
( 1 ) مقدمة السفر
" رؤيا إشعياء بن آموص الى رآها على يهوذا وأورليم فى أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا " إش 1 : 1
تعتبر هذه العبارة مقدمة للسفر كله الذى يضم مجموعة رؤى ونبوات أعلنت لإشعياء فى ظروف مختلفة أيام عزيا العظيم ويوثام الملك الصالح وآحاز بعهده المظلم وحزقيا ومنسى الخ ..... لكنه يدعوها جميعا " رؤيا " ، لأنها وإن كانت رؤى متباينة إنما تمثل وحدة واحدة ، لها هدف واحد هو إعلان الله عن فكره ومشيئته وخطته الخلاصية من أجل بنيان الجماعة المقدسة أو لتقديس البشرية المؤمنة به .
هذه الرؤى تمس حياة كل إنسان يشتاق نحو خلاص نفسه وتمتعه بالشركة مع الله .
( 2 ) استدعاء الطبيعة :
" إسمعى أيتها السموات وأصغى أيتها الأرض لأن الرب يتكلم : ربيت بنين ونشأتهم . أما هم فعصوا على " إش 1 : 2
يبدأ السفر بمحاكمة عظمى طرفاها الله والإنسان ، تستدعى فيها الطبيعة الجامدة – السماء والأرض – لتشهد هذه المحاكمة .
ربما استدعى إشعياء النبى الطبيعة كما سبق ففعل موسى النبى [ راجع تث 32 : 1 ] . كأن إشعياء يؤكد لشعبه أن ما ينطق به إنما هو امتداد لكلمات موسى النبى الذى يعتز به كل يهودى .
الله لا يحمل مشاعر إنسانية لكنه ليس كائنا جامدا ، إنما هو " الحب " عينه ، فريد فى حبه لخليقته السماوية والأرضية ، خاصة حبه نحو الإنسان . لهذا إذ يتحدث معنا نحن البشر يحدثنا بلغتنا البشرية معبرا عن حبه كما بمشاعر إنسانية حتى يمكننا التلامس معه واختبار الإتحاد والشركة معه .
يتوقع الله فينا أن نحمل روح البنوة المتجاوبة مع أبوة الله الفريدة الحانية التى كلفته الكثير .
يعاتب الله أولاده من أجل عصيانهم ، فإن عصيان البنين أمر من عصيان الأجراء والعبيد ، جراحات الأحباء خاصة البنين أقسى من تلك التى يسببها الأعداء .
( 3 ) استدعاء الحيوانات :
" الثور يعرف قانيه ، والحمار معلف صاحبه ، أما إسرائيل فلا يعرف ، شعبى لا يفهم " إش 1 : 3
إن كان الله قد دعى إسرائيل ابنه البكر ( خر 4 : 22 ) ، فكان يليق بالإبن أن يعرف أباه ويدرك أسراره ويتجاوب مع مقاصده وإرادته ، لكن الإنسان خلال عصيانه انحط منحدرا إلى ما هو أدنى من الحيوانات العجماوات ، إذا كان الإنسان قد انحط إلى ما هو أدنى من الحيوان ، فأخذ السيد المسيح طبيعتنا وصعد إلى السماوات ليرفع طبيعتنا إلى ما هو سماوى
( 4 ) وصف لحال الشعب :
أولا : وصفهم بسبع سمات فى إش 1 : 4 – الثلاثة تشير إلى خطايا النفس الداخلية التى على صورة الثالوث ، والأربعة تشير إلى خطايا الجسد الظاهرة .
وكأن الشعب قد تدنس فى الداخل والخارج ، بخطايا خفية وظاهرة ، فى الجسد والروح .
السمات الأربع الأولى هنا تشير إلى الخطايا الجسدية الظاهرة : " ويل للأمة الخاطئة ، الشعب الثقيل الإثم ، نسل فاعلى الشر ، أولاد مفسدين " ؛ والسمات الثلاثة الأخيرة تمثل الخطايا الداخلية : " تركوا الرب ، استهانوا بقدوس إسرائيل ، ارتدوا إلى الوراء " .
" علام تضربون بعد ؟! تزدادون زيغانا ، كل الرأس مريض وكل القلب سقيم ؛ من أسفل القدم إلى الرأس ، ليس فيه صحة بل جرح وإحباط ، وضربة طرية لم تعصر ولم تلين بالزيت " إش 1 : 5 ، 6 .
يعلن الله أن هذا الشعب قد رفض النبوة لله لذا لم يعد مستحقا أن يكون موضع اهتمام الله وتأديبه . فقد سبق فأدبهم كأبناء له لكنهم ازدادوا زيغانا ، لذا يود أن يوقف التأديبات الأبوية تاركا إياهم لنوال ثمر فسادهم الطبيعى .
" بلادكم خربة ، مدنكم محرقة بالنار ، أرضكم تأكلها غرباء قدامكم وهى خربة كانقلاب الغرباء ، فبقيت إبنة صهيون كمظلة فى كرم ، كخيمة فى مقثأة ، كمدينة محاصرة " إش 1 : 7 ، 8 .
يتحدث النبى هنا عما سيحل بيهوذا بعد غزو سنحاريب الأشورى حاسبا ما سيحل بهم فى المستقبل كأنه حاضر ، لأنه أمر حادث لا محالة .
هذا الخراب الذى حل هو علامة على ما أرتكبه يهوذا من آثام ، وحتمية طبيعية لتركهم الله مقدسهم وارتدادهم عنه ، وعدم طاعتهم لصوته .
هكذا كل نفس لا تلتصق بالله مقدسها يحل الخراب بكل مدنها : الجسد والنفس والفكر والقلب مع كل الأحاسيس والمشاعر الخ ....
وسط هذا الخراب المطبق يجد الله بقية قليلة أمينة تشهد له ، بسببها لم يحطم شعبه الذى فسد ، إذ قيل :
" لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة " إش 1 : 9 .
لا يهتم الله بكثرة العدد وإنما بالبقية القليلة التى تتقدس له وسط الفساد الذى يحل بالكثيرين
[